الزهراوي: طبيب الفقراء وأبو الجراحين
قال عنه دونالد كامبل: "ألغت طرق الزهراوي طرق جالينوس، وحافظت على مركز متميز في أوروبا لخمسمائة عام.. كما ساعد على رفع مكانة الجراحة في أوروبا"، كما كرمته إسبانيا بإطلاق اسمه على أحد شوارع قرطبة.. فمن هو الزهراوي والذي عُرف بلقب أبو الجراحين؟
مولده ولقبه
وُلد أبو القاسم خلف بن عباس الزهراوي الأنصاري سنة 325هـ/936م في مدينة الزهراء، العاصمة الأندلسية الجديدة على مقربة من مدينة قرطبة، ومنها اكتسب لقبه الزهراوي.
طبيب الفقراء
الغريب أنه على الرغم من عبقريته لم يلتفت له معاصروه، فلم يكن الزهراوي مقرباً من عُلية القوم أو البلاط الملكي، بل كان طبيب الفقراء.
عاش الزهراوي طبيباً فقيراً، متقشفاً، محباً لطلبة الطب. وقد وصفهم بأبنائه، وكان حريصاً على بذل وقته ومجهوده لمساعدة الفقراء والمرضى.
أشهر مؤلفاته
الزهراوي له العديد من المؤلفات في مجال الطب، وأهمها كتاب (التصريف لمن عجز عن التأليف)، والذي يشمل ثلاثين مقالة في العلوم الطبية والتشريح والصيدلة وصناعة الأدوية، وأهمها المقالة الثلاثون في علم الجراحة التي تعد قمة التطور والثورة الطبية في عصره.
وله مؤلفات أخرى من بينها: مقالة في عمل اليد، مختصر المفردات وخواصها.
اهتم بعلم التشريح
كان اهتمام الزهراوي بعلم التشريح ودراسته سبباً في الفتح الكبير الذي تحقق على يديه في علم الجراحة، فضلاً عن اختراعاته للأدوات الجراحية، وكان من الغريب واللافت أن علم التشريح كان علماً محتقراً من قبله.
أهم إنجازاته
وكان الزهراوي هو أول من استحدث رسوم الأعضاء والهيكل العظمي في كتبه، وأول من رسم الأدوات الطبية في مؤلفاته وأورد منها 200 شكل، كما أنه كان أول من وصف طريقة إخراج الأجسام الأجنبية من داخل المريء.
والزهراوي هو أول من أصلح طريقة عمليات البتر، وأوصى بالقطع في الأنسجة السالمة عن بُعد من الأنسجة المريضة كما هي الطريقة المتبعة اليوم، كما بحث في الالتهابات المتقيحة، فأوصى بخزع الخُراجات القريبة من المفاصل في بادئ ظهورها.
كما أوصى الزهراوي باستئصال جميع الأجزاء المريضة في الالتهابات العظمية، وهو أيضاً أول من استعمل ربط الشريان لإيقاف النزيف قبل الفرنسي أمبروز باريه الذي تُنسب إليه هذه العملية.
بالإضافة إلى أن الزهراوي هو أول من وصف العمليات الجراحية في كتابه وطريقة إجرائها والاحتياطات اللازمة لها، وهو أيضاً أول من أدخل خيوط الحرير في ربط الشرايين بعد الجراحة، المصنوعة من جدار أمعاء الغنم.
كما أجرى الزهراوي عمليات جراحية ناجحة لزوائد لحمية الأنف، واللوز، وإزالة الأورام المختلفة بالحنجرة، وفتحة القصبة الهوائية، وعلاج السرطان، والاستسقاء، وغيرها من الحالات الجراحية.
رائد في علم الجراحة
وقد الزهراوي دوَّن تفاصيل هذه الإجراءات الجراحية في كتابه، وهو ما جعله رائداً في علم الجراحة، حيث تُرجم كتابه إلى اللاتينية في القرن الثاني عشر، وظل يُستخدم لخمسة قرون في أوروبا العصور الوسطى.
وكان كتابه مصدراً أساسياً للمعرفة الطبية بأوروبا، كما استخدمه الأطباء والجراحون كمرجع لهم، وظل الكتاب متداولاً ويعاد طبعه حتى النصف الثاني من القرن الثامن عشر، كما ساعدت رسوم الأدوات الجراحية في كتابه على وضع حجر الأساس للجراحة في أوروبا.
المزيد: