مجموعة Jacquemus ربيع 2025: رحلة مصرية على ضفاف النيل
بالرغم من أن مجموعة Jacquemus لربيع 2025 لم تُعرض فعليًا على ضفاف نهر النيل أو داخل الأراضي المصرية، إلا أن روح الرحلة، التي أراد المصمم الفرنسي سيمون بورت جاكيموس أن يبعثها في مجموعته تحت عنوان La Croisière، كانت أقرب إلى رحلة خيالية عبر الزمن والأنوثة الساحرة، وارتباطها بجماليات الشرق وسحر الجنوب. في هذا التقرير، نستعرض تفاصيل هذه المجموعة من جوانب الإلهام، التصميم، الأزياء، اختيار المكان، وتفاعل الجمهور، مع تحليل الرموز التي جعلت منها إحدى أبرز العروض في ربيع 2025.
البداية من الحلم: عنوان يبعث على التأمل
أطلق جاكيموس على مجموعته اسم La Croisière، وتعني "الرحلة البحرية"، وهو عنوان يحمل في طياته دلالات الاستكشاف والمغامرة والترف، وكأنه دعوة للانطلاق في مغامرة أنثوية تجوب أماكن الشمس والدفء. على الرغم من أن العرض أقيم فعليًا في باريس، داخل شقة أنيقة مصممة على طراز آرت ديكو من توقيع أوغست بيريه، فإن كثيرًا من المتابعين ربطوا بين أجواء المجموعة والخيال الشرقي، بما فيه من حنين إلى الضفاف الدافئة والأساطير النيلية، خاصة أن بعض القصّات والإكسسوارات استحضرت صورًا ذهنية عن المرأة القوية والجذابة في ثقافات المتوسط ومصر القديمة.
التصوير بالهاتف والخصوصية: عرض بعيون عصرية
واحدة من المفاجآت التقنية في هذا العرض تمثّلت في أن المجموعة صُوّرت بالكامل باستخدام هاتف iPhone 16 Pro Max، مما منح العمل طابعًا حميميًا وأقرب إلى التوثيق اليومي، بدلاً من المشهد المسرحي المتكلف. وقد حظي العرض بحضور محدود جدًا، اقتصر على 40 ضيفًا من كبار الشخصيات، من بينهم كارلا بروني وباميلا أندرسون، في خطوةٍ تعكس رغبة جاكيموس في استعادة القرب بين المصمم ومحيطه، كما كان الحال في عروض الأزياء الخاصة بفنانات الخمسينيات.
إلهام من الخمسينيات: مارلين وغريس في قلب التصاميم
ركّز جاكيموس على استحضار أنوثة الخمسينيات من خلال استعارة رموز بصرية تنتمي لتلك الحقبة، كفساتين السهرة ذات الخصر المنخفض، والتنانير المستديرة الواسعة، والكتف المكشوف، بالإضافة إلى المعاطف الطويلة بطبعات غير تقليدية. ومن اللحظة الأولى لظهور العارضة كريستي تورلينغتون على الممشى، بدا أن جاكيموس يغازل عصر السينما الكلاسيكية، مستلهمًا روح مارلين مونرو وغريس كيلي، مع لمسة عصرية واضحة تبرز في الأقمشة المتقنة والخامات المريحة.
القصّات والألوان: بساطة مرفهة
المجموعة قدمت مقاربة جديدة للترف، لا تعتمد على الزخرفة المفرطة، بل على البساطة الدقيقة، التي تُترجم في فساتين باللون الكريمي، وأخرى بلون الرمال، وتدرجات الأحمر الفاتح المستوحاة من الغروب. بدا اللون الأصفر حاضرًا بقوة، خاصة في الإكسسوارات، ومنها الحذاء الرياضي الذي أعاد جاكيموس تصميمه بالتعاون مع Nike، مستندًا إلى نموذج "Moon Shoe" الشهير.
هذا التناغم اللوني بين الأبيض والذهبي والوردي الترابي، يوحي بجماليات الطبيعة التي تحيط بالنيل من رمال ومياه وشمس. وكأن كل قطعة في العرض تُحاكي لحظة من لحظات يوم على ضفاف نهر مصري، حيث السكينة والرقي يتقاطعان.
العودة إلى التكوين الأنثوي
اختار جاكيموس أن يُعيد تعريف الجمال الأنثوي بعيدًا عن المفاهيم التقليدية للعري أو الاستعراض، فكانت معظم القصّات تحتفي بالجسم الأنثوي بذكاء: صدرية صغيرة مع تنورة طويلة، أو معطف واسع يخفي تحت طياته قميصًا شفافًا. الأزياء لم تكن صادمة، بل ذكية، تسمح للأنوثة أن تتنفس وتظهر دون أن تُفرض.
وقد عبر جاكيموس عن ذلك بقوله: "أردت أن أقدم شيئًا يشبه دفء اللقاءات، يذكّرنا كيف كنا نلبس عندما كنّا نحلم بالرحلات قبل أن نغادر فعلاً". وفي هذه النقطة، يظهر الرابط غير المباشر بين العنوان و"النيل"، إذ إن مصر كوجهة تاريخية طالما ألهمت الفنانين والمصممين في الغرب، حتى دون الحاجة لزيارتها.
الإكسسوارات: لعبٌ بين الزمن والمكان
لعبت الإكسسوارات دورًا جوهريًا في ترسيخ هوية المجموعة، حيث ظهرت قبعات عريضة الحواف، ونظارات شمسية دائرية تذكرنا بأيقونات هوليوود، بينما قدّمت الحقائب بأشكالٍ نحتية غريبة قليلاً، وكأنها تماثيل مصغرة تحملها العارضات، في استحضار غير مباشر للفن المصري القديم الذي يمزج بين الوظيفة والزينة.
حتى الأقمشة المنسدلة التي استُخدمت في بعض الفساتين أعادت إلى الأذهان ملابس الكتان التي كانت ترتديها النساء في الحضارة الفرعونية، مع تطويعها لتخدم الجمال العصري. وبهذا الدمج بين الماضي والحاضر، استطاع جاكيموس أن يصنع ما يشبه القصيدة البصرية.
الجمهور والنقاد: احتفاء بالجمال النقي
لاقى العرض تفاعلاً واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي، وانهالت التعليقات التي تحتفي بعودة جاكيموس إلى مصدر إلهامه الأساسي: الأنوثة. ووصف نقاد الموضة العرض بأنه من أنجح تجاربه في السنوات الأخيرة، بسبب الجمع بين الجرأة والبساطة، وبين الحنين والتجديد.
أبرز ما أثار اهتمام النقاد كان استخدام الهاتف المحمول كأداة تصوير أساسية، الأمر الذي يكسر النمط التقليدي لعروض الأزياء، ويمنح الجمهور إحساسًا بأنه جزء من التجربة، وليس مجرد متفرج خارجي.
رحلة لم تحدث، لكنها أثّرت
رغم أن "رحلة جاكيموس" لم تمر فعلًا على النيل، إلا أنها استدعت رمزيته الثقافية والجمالية. لقد قدّم المصمم عرضًا يشبه الحلم، تذكرة عبور نحو عصور أكثر أناقة، ومناطق أكثر دفئًا، وذكريات ليست لنا لكنها قريبة. مجموعة ربيع 2025 من Jacquemus ليست فقط أزياء، بل حوار بين الجمال والزمن، بين الفكرة والمكان، وبين المرأة وتاريخها.
إنها رسالة حب ناعمة، من باريس إلى كل ضفاف العالم، بما فيها تلك التي يمرّ عليها النيل بهدوء، ويغمرها الضوء.
المزيد: