طه حسين: قنديل الثقافات الذي أضاء لها الطريق من جوف عتمته
من المؤكد أن عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين تأثر بالثقافة الفرنسية التي نال الدكتوراه في رحابها من جامعة السوربون في باريس عام 1919.. لكنه لم يكتف بذلك بل استطاع أن يؤثر أيضا في الثقافة الفرنسية، وقد ظهر هذا بجلاء في ترجمة دور النشر الفرنسية لعدد كبير من أعماله يصل إلى حوالي 11 عملا
أعمال طه حسين
ومن بين أعمال طه حسين التي ترجمت للفرنسية رواياته: الأيام، أديب، ودعاء الكروان وغيرها من الأعمال
ولم يقتصر أثره في الثقافة الفرنسية على ترجمة أعماله بل امتد أثره إلى إصدار عدد كبير من الدراسات حوله وحول أفكاره باللغة الفرنسية.. فما هو سر هذا التأثير المتبادل بين الثقافتين العربية والفرنسية في أعمال طه حسين؟
نشأة طه حسين
لنبدأ الحكاية من البداية علينا أن نعود إلى ذلك الطفل الصغير الذي وُلد في 15 نوفمبر عام 1889.. في قرية صغيرة تابعة لمدينة “مغاغة” إحدى مدن شمال الصعيد في مصر.. وكان سابعَ أطفال والديه من بين 13 طفلاً وطفلة
في الثالثة من عمره أصيب الطفلُ طه حسين بالرمد.. ونتيجة للجهل والفقر المسيطرين في ذلك الوقت تلقى علاجا شعبيا خاطئا أدى لانطفاء نور بصره للأبد
كان طه طفلا انطوائياً منعزلاً عن غيره من الأقران وقد زاد فقدانه للبصر من هذا الشعور بالوحدة والعزلة,, وقد التحق بكُتَّأب القرية ليتعلم القرآن الكريم واللغة العربية. ولم تكن أسرته تطمح ﻷكثر من أن يكبر ويصبح قارئا للقرآن الكريم كعادة الكثير من الشيوخ كفيفي البصر في هذا العصر
لكن هذا الطفل الصغير الكفيف كان لديه من الطموح العظيم ما يكفي لإنارة طريقه وتخطي هذا القدر البائس الذي رسمه له الآخرون وبالفعل غادر قريته الصغيرة في عام 1902 إلى العاصمة كي يلتحق بالأزهر
دفعه في عام 1902 لمغادرة قريته إلى القاهرة كي يلتحق بالأزهر.. لكن الجمود الذي سيطر على طرق التدريس في الأزهر دفعه لتركه والالتحاق بالجامعة المصرية.
في الجامعة نال رسالة الدكتوراه الأولى في الآداب عام 1914 وكان موضوعها عن الشاعر أبي العلاء المعري
وفي الجامعة أعد رسالة الدكتوراه الأولى في الآداب التي نوقشت في 15 مايو 1914 عن أبي العلاء المعري...شبيهه في محبس فقدان البصر. وفي نفس العام سافر طه حسين إلى فرنسا للالتحاق بجامعة مونبلييه.. وحصل على دكتوراه في الاجتماع عام 1919، بالإضافة إلى دبلوم الدراسات العليا في اللغة اللاتينية.
حياة طه حسين العاطفية
تعرف طه حسين خلال فترة دراسته في فرنسا إلى سوزان بريسو، التي تطوعت للقراءة له بالفرنسية أثناء الدراسة
وخلال هذه الفترة جمعت بينهما مشاعر الحب.. عارضت أسرتها في البداية زواجها من شاب عربي مسلم كفيف.. لكن مشاعر الحب استطاعت الانتصار في نهاية الأمر ليتزوجا في التاسع من أغسطس 1917، وأسفر هذا الزواج عن مؤنس وأمينة
في عام 1919 عاد طه حسين إلى مصر، وقد عُيِّنَ أستاذا بالجامعة المصرية، وفي عام 1926 أصدر طه حسين كتابه الذي أثار الجدل "في الشعر الجاهلي"..
تصدَّى له العديدُ من علماءِ الفلسفةِ واللغة ومنهم مصطفى صادق الرافعي والخضر حسين ومحمد لطفي جمعة والشيخ محمد الخضري .. حيث اتُهم أنه شر خرافات عن القرآن الكريم والكتب السماوية
وكانت تلك القضية من أهم قضايا الفكر والتنوير في مصر في النصف الأول من هذا القرن، وفي النهاية برأته المحكمة عام 1927 وأثبتت عدم تعمده الإساءة إلى النصوص القرآنية أو غيرها من الكتب السماوية، وقام بتعديل اسم الكتاب من "في الشعر الجاهلي" إلى "في الأدب الجاهلي".
لكن طه حسين استمر في إثارة الجدل فرفض منح الدكتوراه الفخرية لكبار الساسة المصريين وهو ما أدى لفصله من الجامعة
معارك طه حسين الفكرية
خاض طه حسين عددا كبيرا من المعارك في حياته ضد الجمود الفكري، وضد الاستعمار نوضد الفوارق بين الطبقات. ولم يكن يخشى أحدا في الحق
وفي عام 1950 عُيِّن طه حسين وزيرا للمعارف، ليرفع شعاره الأشهر" التعليم كالماء والهواء.. حق لكل مواطن" وقد شغل منصب الوزارة لعامين فقط استطاع خلالهما توسعة نطاق مجانية التعليم حتى نهاية المرحلة الثانوية
كما اقتحم طه حسين عالم الرواية الذي كان حديثا في ذلك الوقت، بالإضافة إلى ترجمة عدد كبير من كلاسيكيات الأدب العالمي إلى اللغة العربية
وهكذا استطاع أن يبني جسرا بين الثقافتين العربية والغربية.. بعزيمة وإرادة أضاءت له الطريق دون أن تعرف المستحيل