قبلة يد أنهت خلاف عبدالحليم حافظ وأم كلثوم
اتسمت العلاقة بين عبد الحليم حافظ (العندليب الأسمر)، وأم كلثوم (كوكب الشرق) بالشد والجذب، خاصة، أنهما كانا مقربين من السلطة المصرية خلال الخمسينيات والستينيات، ولأن حليم تزامن مولده الفني مع اندلاع ثورة يوليو في خمسينيات القرن الماضي، ما جعله أبرز الأصوات المعبرة عن أفكار واتجاهات الثورة.
ووصلت العلاقة إلى درجة شديدة من الخطورة بين قطبي الغناء، عقب أحد احتفالات أعياد ثورة 23 يوليو/ تموز 1952، الذي أقيم في عام 1964، بنادي ضباط القوات المسلحة في حي الزمالك، عندما أصدر حليم جملة لم ترق لأم كلثوم، المعروفة بعزتها وشموخها.
وتوفيت أم كلثوم في 3 فبراير 1975، بينما رحل عبد الحليم حافظ في 30 مارس/آذار 1977.
زمن الفن الجميل شهد بعض الخلافات بين عمالقة الفن، فكان من أشهر تلك الخلافات موقف حدث بين العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ وكوكب الشرق أم كلثوم، ورغم محاولات الصلح إلا أنه حدث بعد قبلة يد.. ابقوا معنا وتعرفوا على التفاصيل..
قصة خلاف أم كلثوم وعبدالحليم حافظ:
في ذكرى ثورة الثالث والعشرين من يوليو ألف وتسعمئة واثنين وخمسين، أثناء إقامة الحفل في عام ألف وتسعمئة وستة وستين، جاء موعد فقرة العندليب عبدالحليم حافظ بعد جميع فقرات عمالقة الغناء، وكان المعتاد في ذلك الوقت أن النجوم أصحاب الشعبية الكبيرة هم من يقومون بختام الحفل، ولكن جاء دوره بعد كوكب الشرق في الغناء؟
ولكن أم كلثوم أطالت في غنائها بأجمل الألحان أنت عمري تلحين الأستاذ محمد عبدالوهاب، إلى أن تخطت الوقت إلى بعد نصف الليل بأكثر من ساعتين،
فما جاء بعد ذلك كان بداية الخلاف بين العندليب وكوكب الشرق عندما صعد على خشبة المسرح، وكان بالحضور كل قامات وقيادات الدولة في ذلك الوقت، وعلى رأسهم الرئيس الراحل جمال عبدالناصر.
وكانت كلمات العندليب كرسالة، وجاء مضمونها كالتالي "عندي كلمة عايز أقولها ما هياش غنا بس كلمة بسيطة: منتهى الجرأة أن واحد يغني بعد أم كلثوم أو يختم حفلا غنت فيها أم كلثوم، لكن وخصوصا بعد ألحان العظيم الأستاذ عبدالوهاب، أصروا أني أختم الحفلة، معرفش هو شرف ولا مقلب مش عارف"
هذا ما قاله العندليب، ولأن كوكب الشرق أخذت الكلمة على محمل الجد، قامت بمقاطعة العندليب برغم محاولاته المتكررة منه أو من الأصدقاء المشتركين أن يصلحوا بينهما.
ولم يغن لمدة ثلاث سنوات في أي حفلة لعيد الثورة، كنوع من رد أم كلثوم غير المباشر على ما قاله في حقها، حتى قرر الرئيس الراحل محمد أنور السادات أن يسعى في الصلح عندما جمعهم بمناسبة زفاف ابنته في منزله عام ألف وتسعمئة وسبعين لحظة الاحترام والتقدير من قبل عبدالحليم حافظ، الذي قام بالذهاب متوجها إلى أم كلثوم وقام بتقبيل يدها كنوع من التقدير، وما كان منها إلا رسمت الابتسامة على وجهها، وكانت تلك قبلة اليد التي أنهت الخلاف.
رواية عبد الحليم عن خلافه مع أم كلثوم:
وفقا لمقال كتبه عبد الحليم حافظ في مجلة "الموعد" اللبنانية عن أم كلثوم، بعد أيام قليلة من وفاة أم كلثوم، وتحديدا في 20 فبراير/ شباط 1975، فإنه تذكر الموقف الذي أشعل الخصام بينه وبين أم كلثوم، عندما أطالت فقرتها الغنائية في الحفل، قبل فقرته الغنائية.
وقال حليم في مقاله إن "أم كلثوم قررت أن تغني وصلتين قبل أن يغني، فقال لنفسه "رحم الله امرأ عرف قدر نفسه، وذهبت إليها أرجوها أن تسمح لي بالغناء بين الوصلتين الغنائيتين، وقلت لها: لو أن أم كلثوم انتهت من غناء الوصلتين وظهرت أنا على المسرح بعد ذلك فلن يسمعني أحد".
ولكن ردت أم كلثوم على طلب حليم بأنها متعبة وتريد الانتهاء من الوصلتين لتعود إلى منزلها لتستريح، حتى لا يتعبها السهر أكثر من ذلك، مؤكدا أنه حاول إقناعها ولكنها صممت على رأيها.وبعد أن غادرت أم كلثوم المسرح، لم يفوت حليم أن يعقب على ما قامت به أم كلثوم معه، قائلا في بداية فقرته: "لقد شرفتني السيدة أم كلثوم بأن أختتم حفلا غنت فيه، وفي الحقيقة أن ما حدث يعتبر مقلبا بالنسبة لي".
وبحسب روايات عديدة، فإن هذا التصريح كاد أن يكلف عبد الحليم حافظ مشواره الفني، وأن يجلسه في المنزل، بعد أن تلقى تهديدا من بعض أفراد مجلس قيادة الثورة المصرية، بضرورة أن يعتذر لها.
وأكد الملحن والموسيقار الراحل، كمال الطويل، أن الرئيس المصري الراحل، جمال عبد الناصر، هو من أنقذ حليم من غضب أم كلثوم، مشيرا أنه لولا علاقته الطيبة بأبناء ناصر كان انتهى تماما من التاريخ، على حد تعبيره، وذلك بحسب حلقات كتبها الناقد المصري طارق الشناوي في صحيفة "القاهرة" بعنوان "كمال الطويل نغمة لا تعرف الموت".
ولفت عبد الحليم حافظ في مقاله النادر، إلى أنه تأكد لديه بعد لقائه الأول مع أم كلثوم في عام 1958 بمنزل الطبيب زكي سويدان.
صلح أم كلثوم وعبد الحليم حافظ:
وبسبب جملته في حفل أعياد الثورة، وحديثه مع الجمهور حول إن كان ما فعلته أم كلثوم معه في الحفل "شرف" أم "مقلب"، ذكر في المقال أنها غضبت من هذا الكلام وكان لا بد من أن يصالحها.
وقال متذكرا "ذهبت إليها في فيلتها بالزمالك لأجدها لا تزال واخدة على خاطرها، وقلت لها: أنا آسف أرجو ألا يكون تصرفي بالكلمة التي قلتها بحسن نية قد أغضبك".
وردت أم كلثوم عليه "أنا غاضبة فعلا، لم يكن من اللائق أن تقول مثل هذه الكلمة أمام ميكرفونات الإذاعة وكاميرات التلفزيون".
فقال العندليب: "عدت أعتذر لست الكل، قائلا: أنا لم أخطئ، بل بالعكس كنت أمجدك وفي النهاية أنا مثل شقيقك الصغير"، وهنا قاطعته: "إخرس أنت فاكر نفسك صغير، إنت عجوز"، ثم ابتسمت.
وتابع: "قبل أن أنصرف من فيلتها سألتني ثومة: ثم إيه حكاية الحلل والطشوت التي تغنى عليها في فرقتك الموسيقية، وكانت تقصد الآلات النحاسية، وقلت لها: أن هذا توزيع موسيقى كما يحدث في بقية أنحاء العالم".
وأشار العندليب إلى أن أم كلثوم ردت قائلة: "يا أستاذ احنا شرقيين ولسنا أوربيين، لا بد من الاحتفاظ لموسيقانا الشرقية بأصالتها ولا نسمح للفن الغربي بالدخول فيها وإخفاء معالمها".