يا غايب: وثائقي يكشف أسرار حياة فضل شاكر
بعد سنوات من الغياب والجدل والصمت، يعود اسم الفنان اللبناني فضل شاكر إلى الواجهة، لكن هذه المرة ليس من خلال أغنية أو حفل غنائي، بل عبر وثائقي جديد حمل عنوان "يا غايب"، عُرض مؤخرًا على منصة "شاهد"، ليستعرض رحلة نجم الطرب الرومانسي كما لم تُعرض من قبل، في عمل يحاول أن يُنصف الرجل والفنان، أو على الأقل يُضيء جوانب طالما ظلت في الظل.
"يا غايب": العنوان كما الروح
يحمل الوثائقي عنوانًا له دلالات عاطفية وسياسية في آنٍ واحد. "يا غايب"، وهو اسم واحدة من أشهر أغاني فضل شاكر التي ارتبطت بذكريات ملايين العرب، لكنه أيضًا بات توصيفًا لحال الفنان خلال العقد الأخير من عمره، بعد أن اختفى فجأة من الأضواء وتوارى عن الأنظار، بينما بقي اسمه محاصرًا بالأسئلة والاتهامات والتكهنات.
العمل من إنتاج منصة "شاهد"، ويُقدم بصيغة أقرب إلى التحقيق التوثيقي، مستخدمًا مزيجًا من المقاطع الأرشيفية، والشهادات، والمشاهد التمثيلية، التي تجسّد محطات مفصلية في حياة الفنان. ويبدو واضحًا منذ البداية أن الوثائقي لا يسعى لتلميع فضل شاكر، بقدر ما يسعى لفهمه.
فضل شاكر: صوت حمل رومانسية جيل بأكمله
ولد فضل شاكر في مدينة صيدا جنوب لبنان عام 1969، وبدأ مسيرته الفنية مطلع التسعينيات في حفلات صغيرة ومهرجانات محلية، قبل أن ينفجر نجمه مع بداية الألفية، حيث أصبح اسمه مقرونًا بالرومانسية والعاطفة، وأغانيه تتردد في الشوارع والمقاهي وحفلات الزفاف.
قدم خلال مسيرته أعمالًا ناجحة مثل "لو على قلبي"، "الله أعلم"، "أجمل إحساس"، "يخرب بيتك يا القلب"، وغيرها من الأغنيات التي تربعت على قوائم الأغاني في الوطن العربي، وفرضت فضل شاكر كأحد أبرز الأصوات في الأغنية الرومانسية المعاصرة، إلى جانب كونه شخصية محببة لدى الجمهور، بفضل تواضعه وصوته الدافئ.
التحول المثير والغياب الصادم
في 2012، صُدم جمهور فضل شاكر بإعلانه اعتزال الفن، دون مقدمات، ومن ثم ظهوره في مشاهد مرتبطة بالشيخ أحمد الأسير، رجل الدين المثير للجدل في لبنان، ما أثار موجة من الجدل والغضب. توالت بعدها الأحداث، حيث اتُّهم شاكر بالمشاركة في اشتباكات مسلحة ضد الجيش اللبناني في أحداث عبرا عام 2013، رغم نفيه المتكرر لأي دور مباشر في العنف.
في تلك الفترة، أصبح شاكر مطاردًا قضائيًا وإعلاميًا، واختفى تمامًا من الساحة، ليعيش متواريًا عن الأنظار في مخيم عين الحلوة، محرومًا من الظهور أو الغناء، ومطالبًا بإثبات براءته. ومع الوقت، بدأت تظهر مقاطع فيديو له يطالب فيها بإنصافه وإعادة النظر في ملفه، مؤكدًا أنه لم يرفع السلاح ولم يشارك في أي أعمال عنف.
وثائقي "يا غايب": بين الشهادة والدفاع
الوثائقي "يا غايب" لا يكتفي بسرد الوقائع، بل يسعى لإعادة بناء المشهد من وجهة نظر فضل شاكر، عبر مجموعة من الشهادات والتصريحات من مقربين، أصدقاء قدامى، ومحللين فنيين وإعلاميين.
يسرد العمل قصته منذ الطفولة، وعلاقته بأسرته، مرورًا بمرحلة البزوغ الفني، ثم التحولات التي طرأت على حياته الشخصية والدينية، والتي يقول البعض إنها كانت البداية الحقيقية لما حدث لاحقًا. كما يتناول الوثائقي اللحظات التي قرر فيها فضل أن يعتزل، وأسباب اقترابه من الفكر الديني المتشدد، ثم محاولاته للعودة بعد أن تأكد من وقوعه في مسار لم يكن يقصده.
واحدة من أبرز نقاط القوة في الفيلم، أنه لا يتجاهل اللحظات الحساسة، بل يطرحها بوضوح: هل فعلاً شارك فضل شاكر في الأحداث المسلحة؟ لماذا ارتبط اسمه بالأسير؟ لماذا ابتعد عن الفن؟ وكيف قضى سنواته الأخيرة؟ كما يظهر فضل شاكر في مقاطع حديثة، محاولًا الدفاع عن نفسه بهدوء، مؤكدًا براءته، ومكررًا أمنيته الوحيدة: أن يعود ليغني.
ردود الفعل: تضامن وتعاطف... وتساؤلات
منذ عرض الوثائقي، انقسم الجمهور كما المعتاد. هناك من رأى في "يا غايب" عملًا إنسانيًا، يُظهر فضل شاكر كما لم يُر من قبل، ويمنحه مساحة لقول ما لم يُسمع. آخرون اعتبروا أن الوثائقي محاولة لتبييض صورة فنان تورط في قضايا تمس الأمن اللبناني، رغم عدم وجود إدانة نهائية بحقه حتى الآن.
في المقابل، أبدى عدد كبير من الفنانين والمغردين تعاطفهم مع شاكر، خاصة بعد ظهوره في حالة إنسانية مؤثرة، وتأكيده رغبته في العودة للغناء فقط، بعد أن فقد سنوات طويلة من عمره بين الحصار والاتهام والعزلة.